وماذا بعد كشغري؟!
كتب كشغري كُفْراً وشناراً وعاراً وقبحاً.. وتقيأ نتناً وقيحاً وصديداً مما دخل في جوفه من مفاهيم
ليبرالية
مشوَّهة في أصلها واستخداماتها، ومن اعتقادات الملحدين والطبائعيين وغيرهم..
وكانت رد الفعل من المجتمع بأكمله من أعلى سلطة سياسية إلى أصغرها.
وما هذا إلا لترسخ الإيمان الذي توطن وتجذّر في أعماق قلوب مجتمع مسلم.
لن أخوض في ألفاظ الكفر والاستهزاء الذي تقيأ بها حمزة كشغري؛ فقد كُفيت ذلك من أمواج الردود
الكافية لإعطاء العالم كله وجهة نظر المجتمع بأطيافه.
وسنترك أمره للقضاء الشرعي يقول حكمه المستنير من شرع رب العالمين..
لكن ماذا بعد حمزة!!
هل سيقول العالم إن المسلمين يقتلون العقل والإبداع؟
الليبراليون دائماً يسألون لماذا وأين ومتى وإلى أين هذا الخلق وتلك العقول والحرية الشخصية.. إلخ ما يرددونه..
لكن حمزة لم يكن ليبرالياً في حرية الدين بل تجاوز..
وكشف مستوراً لمن علّمه وتمشيخ وتتلمذ عليه وقرأ له.
المنبع هو المسؤول عن حمزة..
لن أقلل من دور التقنية التي تغزو وتدخل العقول بلا استئذان، لكن من يفتح لها العقول هو المسؤول.
من يطرح رؤى مشوهة عن الدين وعن الثقافة وعما ينبغي لنا وما يجب علينا، ويحلل ممارسات
المجتمع، ويُدخل فيها ما هو من الدين، ويعتبرها من التخلف والرجعية، هم المسؤولون عن نتاجهم من
مثل هؤلاء الشباب..
الأمن الفكري مهم كأهمية الهواء للناس..
إذاً، علينا أن نرتعد لهذا الزلزال الفكري الذي تمخض عن عقل شاب من شبابنا، درس في مدارسنا،
وصلى في مساجدنا، وجلس في منتدياتنا، وقرأ من كتبنا، لكنه لمّا أطل وأشرف على قوم ليس لهم عقل
وعلم ضل وانهار معهم؟!!
أين الخل؟!
هل مناهجنا لا تُربِّي على الإيمان بالله تعالى، ولا تربِّي الذاتية في مراقبة الله عز وجل، وما زلنا في
التلقين المجمد للعقل؟ ممكن.
هل تربيتنا في البيوت مقتصرة على التسمين الجسدي فقط؟ أتصور نعم، أهملنا الجانبَيْن الروحي والعقلي
لأبنائنا.
هل ردة الفعل الشعبية مشرِّفة لقضايا أخرى قادمة؟
قد تسأل أخي القارئ أي قضايا تقصد!!؟؟.. أقول:
سيخرج لنا من شبابنا من يجلس في منتديات ويقرأ لمن ألحد ولمن لا يؤمن بدين إما اعتقاداً أو موضة
فكر يميزه عن الآخرين، زعموا!!
سيخرج لنا من أبنائنا من سيأتي من الشرق والغرب.. سيأتون بفكر الليبرالية الحرة والمتحررة من
الدين والأخلاق، ويطالبون بمثلها؟!
والديمقراطية بقالبها الغربي منادين بها!
سيأتي من يطالب بالمساواة بين الجنسين!
وسيتكلم من يطعن في كمال الإسلام وخاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام!
سيأتي من يكفر بإحسان أمه وأبيه وزوجه وولده؛ لأنه سيطالب بالحرية في الأخلاق والعلاقات والتحرر
من وصاية الوالدين والزوج.. لأن الولي عبارة عن وصاية مكبلة!
لننظر كيف تناول الناس قضية كشغري!
منهم من صمت إما إقراراً أو موافقة، أو ليس لديه ما يقوله في الأمر..
ومنهم من رد عليه ردًّا علمياً مؤصلاً ومناصحة أبوية حانية..
ومنهم من طالب بأشد العقوبات عليه بالقتل حدًّا..
ومنهم من فرح لزلزلة في فكر شبابنا المسلم..
ومنهم من يتفرج حتى إذا ما انتهت العاصفة بدأ يحزّب الناس أحزاباً وفكراً.. بمعنى كأنه يريد خلاف
الناس من أجل مآربه المفككة والمحزبة..
ومنهم من لديه احتقان على المجتمع؛ فبدأ ينفث ما في نفسه فيمَنْ يقابله..
للأسف، لدينا أزمة حوار ونقاش في قضايانا..
أليس لدينا قضاء؟ فلماذا نختلف في مصير ذلك الشاب أو من سيأتي غيره؟
صحيح المطلوب منا البيان والرد والغضب إذا انتُهكت شريعة الله، لكن لنقف عند دورنا، ونوكل الأمر بعد
ذلك إلى أهله، وهم ولاة الأمر والقضاء.. وليمضِ كل واحد منا في علمه وإنتاجه..
في الولايات المتحدة الأمريكية عندما هزموا تنبهوا للتربية، ورجعوا للمدرسة، وأسسوا فكراً وعقولاً
قادت أمريكا لسيادة العالم؛ لأنهم بنوا عقولاً مفكرة في حدود أهدافهم..
فماذا أعددنا لديننا والمحافظة على ثوابتنا؟
إذا لم نعزز الإيمان في قلوب شبابنا وأبنائنا، ونعمِّق حب الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام في
قلوبهم.. فلن يثبتوا عند الشبهات! لأن العالم اختلط بعضه ببعض.. غثه وسمينه.. حقه وباطله.. وعندما
يتعرض المسلم لشبهات ومواجهات ثقافية ومجتمعية، خاصة عندما يقيم عند غير المسلمين، فقد ينهزم
وينهار..
كان أجدادنا وجداتنا يحدثوننا ويقصون علينا القصص ونحن صغار لتربيتنا على حب الله ورسوله عليه
الصلاة والسلام، وكانوا يقصون علينا قصص الصدق والإخلاص والأمانة وبر الوالدين..
أما اليوم فنحن غفلنا قصداً أو من غير قصد عن أبنائنا وعن تربيتهم التربية الوقائية الإيمانية التي تقيهم
مما يتوقع أن يصادفهم من أمراض شهوات وشبهات..
فإن مرض الشبهات أخطر من مرض الشهوات؛ لأن مرض الشبهات يمرض العقل، ولا أصعب من العقل
الخفي..
إن أحيينا دين محمد عليه الصلاة والسلام قبل أن يموت في قلوب شباب المسلمين فإنه سيأتي من يحيي
دين العقلانية والطبائعية واللادينية والإلحادية وغيرها من عقائد الكفر والضلال.
لا بد لنا من مراكز للدراسات المستقبلية، والتوقع للمستقبل، وألا نقول لا خوف علينا أو نحن أحسن من
غيرنا؛ فالسنن ماضية، وأمر الله لا راد له إن لم نتدارك ديننا وثقافتنا ونعرِّي أنفسنا ونصحح مسارنا.